Admin Admin
عدد الرسائل : 86 تاريخ التسجيل : 08/06/2007
| موضوع: سورة الليل الخميس يونيو 14, 2007 11:08 am | |
| لمسات بيانية في سورة الليل للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي استاذ الآدب في كلية اللغة العربية في جامعة الشارقة والليل إذا يغشى k والنهار إذا تجلىk وما خلق الذكر والأنثىk إن سعيكم لشتىkما الحكم البياني في استخدام بالفعل المضارع (يغشى) مع الليل والفعل الماضي (تجلى) مع النهار؟سورة الليل تبدأ بقوله تعالى (والليل إذا يغشى) هو سبحانه أقسم بالليل وقت غشيانه ونلاحظ ان المفعول لفعل يغشى محذوف فلم يقل سبحانه ماذا يغشى الليل، هل يغشى النهار او الشمس لأنه سبحانه أراد ان يطلق المعنى ويجعله يحتوي كل المعاني المحتملة.(والنهار إذا تجلى) أي كشف وظهر.واستعمال صيغة المضارع مع فعل يغشى هو لأن الليل يغشى شيئاً فشيئاً بالتدريج وهو ليس كالنهار الذي يتجلى دفعة واحدة بمجرد طلوع الشمس. أي ان عملية الغشيان تمتد ولذا احتاج الفعل لصيغة المضارع، اما النهار فيتجلى دفعة واحدة لذا وجب استخدام صيغة الماضي مع الفعل تجلى. والآيات هنا مشابهة لآيات سورة الشمس في قوله تعالى: (والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها) فصيغة الافعال متعلقة بالتجلي والغشيان.وما خلق الذكر والأنثىفا حكم (ما) في هذه الآية؟ هناك احتمالان لمعنى (ما): الاول أن (ما) اسم موصول بمعنى الذي. ويعتقد الكثيرون ان (ما) تستخدم لغير العاقل فيقولون (ما) لغير العاقل و(من) للعاقل ولكن الحقيقة أن ما تستعمل لذات غير العاقل كما في قوله: (يأكل مما تأكلون منه ويشر مما تشربون) ولصفات العقلاء كما في قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (ونفس وما سواها) ويؤتى بها في التفخيم والتعظيم في صفات العقلاء، ولذلك قال تعالى (وما خلق الذكر والانثى) ويعني به ذاته العلية. ويحتمل ان تكون مصدرية بمعنى (وخلق الذكر والانثى)اي أنه سبحانه يقسم بخلق الذكر والانثى وليس بالخالق. وعليه فإن (ما) تحتمل أمرين إما ان الله عز وجل يقسم بذاته او أنه يقسم بفعله الذي هو خلق الذكر والانثى. فلو أراد تعالى أن ينص على أحد المعنيين لجاء بذلك ولقال سبحانه (والذي خلق الذكر والانثى) وتأتي ما بمعنى اسم موصول كما سبق أو قال سبحانه (وخلق الذكر والانثى) لتعطي معنى القسم بالفعل الذي هو خلق الذكر والانثى، ولكن الصورة التي جاءت عليها الآية تفيد التوسع في المعنى فهي تفيد المعنيين السابقين معاً وكلاهما صحيح.فيبقى مجال الترجيح في المجيء هنا بـ (ما) والاحتمال هو مقصود لإرادة ان يحتمل التعبير المعنيين الخلق والخالق، كلاهما مما يصح أن يقسم به خلقه والخالق وربنا سبحانه يقسم بخلقه ويقسم بذاته. و لو أردنا ان نرجح لقلنا أن القسم هنا القسم بالخالق والله أعلم . (وما خلق الذكر والانثى) لم يقسم بالمخلوق وإنما اقسم بالمصدر (أي خالق الذكر والانثى) أما الليل والنهار فهما مخلوقان فإذا اردنا المخلوق نؤل المصدر بالمفعول أحياناً فيصبح تأويل بعد تأويل أحياناً يطلق على المصدر ويطلق على الذات مثال: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) أحياناً يراد بالمصدر الذات. والخلق ليس مثل الليل والنهار. مثال: زرعت زرعاً في اللغة العربية زرعاً هي المصدر وأحياناً يضع العرب المصدر موضع الذات كقوله (نخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم) فالزرع هنا اصبح الذات واليس المصدر. سؤال: يقول السيد مصطفى ناصف في السياق اللغوي ان السياق هو الحقيقة الاولى والكلمة خارج السياق لا تفي بشيء وفائدة السياق اللغوي انه يحول معنى الكلمة من التعدد والاحتمال الى التحديد والتعيين. فلماذا لم يحدد ربنا في هذه الآية معنى (ما) ولم يترك المعنى هكذا بدون تحديد؟جواب: هناك مبدأ عام في اللغة العربية: الجمل في اللغة على نوعين:
- ذات دلالة محددة معينة قطعية (أحل الله البيع وحرم الربا)
- ذات دلالة احتمالية (اشتريت قدح ماء) هنا تدل الجملة على احد امرين: إما ان اكون اشتريت القدح وإما ان اكون اشتريت ماء بقدر قدح. فإذا قلنا (اشتريت قدحاً ماءً) دلت الجملة على معنى واحد قطعي اني اشتريت الماء قطعاً ولا يحتمل ان تكون اشتريت القدح بتاتاً
ومثال ذلك ايضاً لا النافية للجنس فهي قطعية كقولنا: لا رجل حاضر، فإذا قلنا: لا رجلاً حاضراً تحتمل الجملة إما نفي الجنس (الرجال) او نفي الوحدة (ولا حتى رجل واحد حاضر)وفي تحديدنا لهذه المعاني للجمل يجب مراعاة ما يريد المتكلم البليغ هل يريد الاحتمال او القطع.فالذي يريد الاحتمال له غرض من ارادة الاحتمال والذي يريد القطع له غرض من ارادة القطع وهنا تتفاوت البلاغة فالمتكلم البليغ يختار الجملة التي تؤدي المعنى الذي يريده. فالسياق لا يمكن ان يؤدي الى بيان المقصود لأن المقصود قد يكون هو الاحتمال بحد ذاته في القرآن يحذف حرف الجر وقد يكون هناك اربع احتمالات ومع هذا حذف الحرف لأن هذا ما أراده الله تعالى .وما خلق الذكر والأنثىk ما المراد بالذكر والانثى هنا؟قسم من المفسرين قالوا ان الذكر هنا هو الجنس البشري وقسم آخر قال انه كل ذكر او انثى من المخلوقات جميعاً بلا تحديد وهذا الذي يبدو على الارجح لأن سياق الآيات كلها في هذه السورة في العموم والله اعلم.إن سعيكم لشتىkما علاقة القسم (والليل اذا يغشى...) بهذا الجواب؟منذ بداية السورة أقسم الله تعالى بأشياء متضادة: يغشى ، يتجلى، الذكر، الانثى، الليل، النهار فجواب القسم شتى يعني متباين لأن سعينا متباين ومتضاد فمنا من يعمل للجنة ومنا من يعمل للنار فكما ان الاشياء متضادة فان اعمالنا مختلفة ومتباينة ومن هذا نلاحظ أنه سبحانه أقسم بهذه الاشياء على اختلاف السعي (ان سعيكم لشتى) واختلاف الاوقات (الليل والنهار) واختلاف الساعين (الذكر والانثى) واختلاف الحالة (يغشى وتجلى) واختلاف مصير الساعين (فاما من أعطى ... وإما من بخل واستغنى)والليل إذا يغشى k والنهار إذا تجلىk وما خلق الذكر والأنثىkلماذا هذا الترتيب؟ نلاحظ ان الله تعالى بدأ بالليل قبل النهار لأن الليل هو اسبق من النهار وجوداً وخلقاً لأن النهار جاء بعد خلق الأجرام وقبلها كانت الدنيا ظلام دامس والليل والنهار معاً اسبق من خلق الذكر والانثى وخلق الذكر اسبق من خلق الانثى (خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) فجاء ترتيب الآيات بنفس ترتيب الخلق: الليل اولاً ثم النهار ثم الذكر ثم الانثى وعلى نفس التسلسل.ما الحمك في عدم استخدام كلمة الزوجين في الآية ( وما خلق الزوجين الذكر والانثى)؟ كما يأتي في معظم الآيات التي فيها الذكر والانثى كقوله تعالى (فجعل منه الزوجين الذكر والانثى)(سورة القيامة) وقوله: (وأنه خلق الزوجين الذكر والانثى)(سورة النجم) وانما قال: (وما خلق الذكر والانثى) بحذف الزوجين؟إذا استعرضنا الآيات في سورة القيامة نرى ان الله سبحانه وتعالى فسر تطور الجنين من بداية (ألم يك نطفة الى قوله فجعل منه الزوجين الذكر والانثى) فالآيات جاءت اذن مفصلة وكذلك في سورة النجم (وأنه هو اضحك وأبكى الى قوله ,انه خلق الزوجين الذكر والانثى). لقد فصل سبحانه مراحل تطور الجنين في سورة القيامة وفصل القدرة الالهية في سورة النجم أما في سورة الليل فإن الله تعالى أقسم بلا تفصيل هذا من ناحية ومن ناحية أخرى قوله تعالى (إن سعيكم لشتى) يقتضي عدم التفصيل وعدم ذكر الزوجين. لماذا؟ لأن كلمة الزوج في القرآن تعني المثيل كقوله تعالى (وآخر من شكله أزواج) وكلمة شتى تعني مفترق لذا لا يتناسب التماثل مع الافتراق فالزوج هو المثيل والنظير وفي الآية (إن سعيكم لشتى) تفيد التباعد فلا يصح ذكر الزوجين معها. الزوج قريب من زوجته مؤتلف معها (لتسكنوا اليها) وكلمة شتى في الآية هنا في سورة الليل تفيد الافتراق. فخلاصة القول اذن ان كلمة الزوجين لا تتناسب مع الآية (وما خلق الذكر والانثى)من الناحية اللغوية ومن ناحية الزوج والزوجة لذا كان من الانسب عدم ذكر كلمة الزوجين في الآية.هل يستوجب القسم في السورة هذا الجواب (إن سعيكم لشتى)؟ المقصود في السورة ليس القسم على أمر ظاهر او مشاهد مما يعلمه الناس ولكن القسم هو على أمر غير مشاهد ومتنازع فيه والله تعالى أوضح القسم (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى) هذا الامر متنازع فيه واكثر الخلق ينكرونه (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) عموم الخلق لا يعلمون (فأما من أعطى...) ويتنازعزن فيه. والسعي هنا لا يدل على السعي في امور الدنيا من التجارة والزراعة والصناعة وغيرها وانا السعي للآخرة. وكذلك قال تعالى (سعيكم) وكأنه يخاطب المكلفين فقط وليس عامة الناس ولذا أكد باللام أيضاً في (لشتى) ولم يقل إن السعي لشتى.فأما من أعطى واتقى k وصدق بالحسنىk فسنيسره لليسرىk لماذا لم يذكر المفعولين لفعل أعطى؟ اذا تدارسنا سورتي الليل والشمس لوجدنا ان القسم في سورة الليل وجواب القسم مطلق (والليل إذا يغشىk والنهار إذا تجلىk وما خلق الذكر والانثىk) كلها مطلقة فلم يقل ماذا يغشى الليل ولم يحدد الذكر والانثى من البشر وكذلك جواب القسم في سورة الليل (ان سعيكم لشتى) مطلق ايضاً وكذلك (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) اطلق العطاء والاتقاء والحسنى. أما في سورة الشمس (والشمس وضحاها kوالقمر اذا تلاهاk والنهار اذا جلاهاk والليل اذا يغشاهاk والسماء وما بناهاk والارض وما طحاهاk ونفس وما سواهاk فألهمها فجورها وتقواهاk قد افلح من زكاهاk وقد خاب من دساهاk كذبت ثمود بطغواهاk..) في هذه الآيات تحديد واضح فقد قال تعالى يغشاها وجلاها وكذلك حدد في (ونفس وما سواها) خصص بنفوس المكلفين من بني البشر وكذلك في (كذبت ثمود بطغواها) محددة ومخصصة لقوم ثمود.فكأنما سورة الليل مبنية كلها على العموم والاطلاق في كل آياتها. وقد أقسم الله تعالى بثلاثة أشياء (الليل والنهار وخلق الذكر والانثى) وذكر ثلاث صفات في المعطي (أما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) وثلاث صفات فيمن بخل (وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى)في الآية (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) لم يذكر المفعولين المعطى والعطية والمراد بهذا اطلاق العطاء فلم يذكر المعطى او العطية لأنه أراد المعطي والمقصود اطلاق العطاء سواء يعطي العطاء من ماله او نفسه فقد يعطي الطاعة والمال ونفسه كما نقول يعطي ويمنع لا نخصصه بنوع من العطاء ولا بصنف من العطاء. وقد يرد في القرآن الكريم مواضع فيها ذكر مفعول واحد المراد تحديده وحذف مفعول يراد اطلاقه كقوله تعالى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) و (إنا اعطيناك الكوثر) أما في سورة الليل فحذف المفعولين دليل على العموم والاطلاق. فعل أعطى هو فعل متعدي ولازم فهل نقول على هذا الفعل أن السلوك الخاص به في الجملة سلوك لازم أي فعل متعدي أم حذف مفعول؟ قسم يقول أنه هذا حذف وقسم يقول عدم ذكر. حذف عندما يقتضي التعبير الذكر، مثل جملة الصفة لا بد ان يكون فيها ضمير يعود على الموصوف (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والابصار) ويمكن أن نحذف كما في قوله تعالى: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) هذا حذف. العائد للذكر فإذا حذف نقول محذوف كقوله: (ذرني ومن خلقت وحيدا) حذف الهاء في (خلقته). فيما عدى الذكر تنزيل المتعدي منزلة اللازم: لا يحتاج الى مفعول (ان في ذلك لآيات لقوم يعلمون) او لقوم يفقهون، يسمعون، لا يحتاج هنا الى مفعول ولا يريد ان يقيد العلم بشيء. وفي قوله: (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك من الله شيئاً) أراد أصل المسألة فلم يرد أن يقيد السمع أو البصر بشيء معين أما في (ولا يغني عنك من الله شيئاً) فيها ذكر واطلاق، وهل المعنى لا يغني عنك إغناءً او شيئاً من الأشياء؟ كل واحدة لها معنى وليست الاولى كالثانية.كذلك الفعل (اتقى). معنى اتقى هو احترز وحذر. والفعل اتقى هنا يراد به الاطلاق أيضاً ولم يقيده سبحانه بشيء فقد يقول (اتقوا النار او اتقوا يوماً) ولكن هنا جاء الفعل مطلقاً. فأما من أعطى واتقى تدل على أنه اتقى البخل.الحسنى: اسم تفضيل وهو بمعنى تأنيث الأحسن كما نقول (العليا – الاعلى، الدنيا – الادنى) والحسنى هو وصف مطلق لم يذكر له موصوف معين. وصدق بالحسنى معناها أنه صدق بكل ما ينبغي التصديق به قسم يقول انها الجنة وقسم يقول الحياة الحسنى وآخر الكلمة الحسنى (لا إله إلا الله) او العاقبة الحسنى في الآخرة وقسم يقول إنها العقيدة الحسنى ولكنها في الحقيقية تشمل كل هذه المعاني عامة، فكما حذف مفعولي أعطى واتقى للإطلاق أطلق الحسنى بكل معانيها بحذف المفعول وحذف الموصوف. ولو أراد سبحانه أن يعين الموصوف لذكره وحدد الفعل كما في قوله (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ولكنه أطلق لتتناسب مع باقي الآيات في السورة، فإذا اراد أن يطلق حذف.الخطوط التعبيرية في السورة: خط العموم، خط المقابلة، خط التفضيل. | |
|
Admin Admin
عدد الرسائل : 86 تاريخ التسجيل : 08/06/2007
| |
Admin Admin
عدد الرسائل : 86 تاريخ التسجيل : 08/06/2007
| موضوع: رد: سورة الليل الخميس يونيو 14, 2007 11:09 am | |
| إن علينا للهدى k وإن لنا للآخرة والأولى kما هو المعنى العام للآيات وارتباطها بما سبقها وما تلاها من الآيات؟ إن علينا للهدى kهذا التعبير (إن علينا للهدى) يحتمل معنيين: الاول علينا أن نبين طريق الهدى بمعنى أن الله تعالى يتكفل ببيان طريق الهدى، والثاني أن الهدى يوصل صاحبه الى الله. طريق الهدى في النتيجة يوصل الى الله عز وجل (إن ربي على صراط مستقيم) (فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا) من أراد أن يبتغي مرضاة ربه يسلك هذا الطريق ومثلها قوله تعالى (وعلى الله قصد السبيل) والقصد هو استقامة الطريق. فمعنى الآية علينا ان نبين الطريق المستقيم والطريق المستقيم يوصل الى الله تعالى.ما الحكم البياني في التقديم والتأخير في الآية (إن علينا للهدى) بدل القول إن الهدى علينا؟التقديم في هذه الآية يفيد القصر. إن معرفة وتقديم الخبر يفيد القصر. طريق الهدى يبينه الله تعالى فقط وليس هناك معه جهة أخرى، أي ان الهدى يعود الينا (أي الله تعالى) حصراً وأي هدى من غير طريق الله فهو غير مقبول ومرفوض ولا يوصل الى الله عز وجل. فالجهة التي تبين طريق الهدى هو الله تعالى حصراً.وقول: إن الهدى علينا يتضمن المعنى السابق لكنه لا ينفي كون جهة اخرى توصل الى الهدى ولكن الله تعالى حصر الهدى به جل وعلا.ما الحكم البياني في استخدام التوكيد بـ(إن) وبـ(اللام)؟ التوكيد يكون بحسب الحاجة وبحسب إنكار المخاطب للأمر. إذا كان المخاطب يقبل الامر لا يوجد داعي للتوكيد لكن أكثر الناس يرفضون هذا الأمر لقوله تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) وهذا الشيء ينازع فيه كثير من الناس في زمن الرسول او الآن ويرفضون الفكرة وينسبون الهدى لأنفسهم وأنهم هم الذين يبينونه وينازعون فيه لذا وجب التوكيد، لذا المسألة تحتاج الى توكيد بالمعنيين: الهدى علينا حصراً والمعنى الآخر: طريق الهدى هو الطريق الذي يوصل الى الله. ولو جاءت الآية (إن الهدى لعلينا) هذا يؤكد المعنى الثاني ويؤدي الى فوات معنى الحصر الأول.في عموم القرآن هناك ارتباط بين الآيات وما يسبقها او يليها، (إن علينا للهدى)مرتبطة بما قبلها (إن سعيكم لشتى) لأنه لو ابتغى الناس الهدى عند الله لما تشتت سعيهم ومرتبطة بالآية (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) لأنها من الهدى الذي ييسره الله تعالى. وإن لنا للآخرة والأولى kوهذه الآية مرتبطة ايضاً بما قبلها (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) (وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى) لأن الذي يعطي ويتقي يريد الآخرة فقال الله تعالى (إن لنا للآخرة) والذي يبخل يريد الدنيا فقال تعالى (والاولى) فالآخرة والاولى لله وحده فيجب ان نتبع هدى الله تعالى في الاولى والآخرة. ومرتبطة كذلك بالآية (فسنيسره لليسرى) (فسنيسره للعسرى) لأن التيسير والتعسير إما أن يكونا في الدنيا او في الآخرة ولله الآخرة والأولى. إذن علينا ان نتبع ما أراد الله منا. ما الحكم البياني في تقديم الآخرة على الأولى؟ التقديم والتأخير في القرآن عموماً مرتبط بسياق الآيات فأحياناً يقدم المفضول على الأفضل وقد يقدم المتأخر على المتقدم. ولو نظرنا في سياق الأيات في هذه السورة لوجدنا أن الله تعالى قدم الآخرة لتقدم طالبها (فأما من أعطى واتقى وصدق الحسنى) وأخّر الاولى لتأخر طالبها (فأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى). في سورة القصص وردت الآية: ( فله الحمد في الأولى والآخرة) أي تقدم ذكر الاولى على الآخرة وفي سورة الليل تقدم ذكر الآخرة على الأولى فما الفرق بين الآيتين؟ في سورة القصص سياق الآيات (70 – 73) هو في نعم الدنيا من الآية: (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الاولى والآخرة وله الحكم واليه ترجعون، قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون، قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون، ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيع ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) فالسياق كله في الدنيا وما أودع الله تعالى من النعم في الأولى. فلذا ناسب تقديم الاولى على الآخرة في سورة القصص. وقال تعالى: (وله الحمد) ايضاً الذي يدل على أن النعم يجب أن تقابل بالحمد والشكر والاختيار ناسب السياق للآيات وهو تذكير للإنسان بنعم الله تعالى في الدنيا. اما في سورة الليل فقال تعالى (إن لنا للآخرة والأولى) لم يذكر الحمد وقدم الآخرة كما سبق وفصلنا. والتوكيد بـ(اللام) في كلمة (للآخرة) فيه اختلاف مع آية سورة النجم (فلله الآخرة والأولى) فما الحكم البياني في هذا التوكيد في سورة الليل؟ التوكيد في سورة الليل جاء مناسباً لسياق الآيات، فسياق الآيات في ورة الليل جاء كله في الاموال وامتلاكها والتصرف فيها (فأما من أعطى) والمعطي لا بد ان يكون مالكاً لما يعطيه، (وأما من بخل واستغنى) والبخيل هو أيضاً مالك للمال لأنه لو لن يكن يملكه فبم يبخل؟ وكذلك الذي استغنى وهو من الغنى ثم ذكر المال (وما يغني عنه ماله إذا تردى) و (الذي يؤتي ماله يتزكى) فالسورة كلها في ذكر الاموال وتملكها والتصرف فيها فلذا ناسب التوكيد باللام هنا لأن الآخرة والاولى من الملك لله حصراً. أما في سورة النجم فسياق الآيات ليس في المال ولا في التملك اصلاً فلم يؤكد باللام.في الآية جاءت كلمة (الأولى) مقابل (الآخرة) ولم ترد مثلاً كلمة (الدنيا) مقابل (الآخرة) ما الحكم في اسخدام الأولى بدل الدنيا؟ الحقيقة أولاً وللعلم لم يرد في القرآن الكريم كله ولا مرة واحدة لفظ الدنيا مع الآخرة إنما ورد دائماً كلمتي الأولى والآخرة. ولهذا اسبابه البيانية: <LI class=MsoNormal dir=rtl style="MARGIN-LEFT: 0cm; DIRECTION: rtl; MARGIN-RIGHT: 36pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify">الأولى أعم من الدنيا في الاستعمال القرآني وفي اللغة أيضاً. القرآن يستعمل الدنيا لما يحيا فيه الانسان ويعيش كقوله تعالى: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) و (اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) و (متاع الدنيا قليل)، أما الأولى فتستعمل عامة لما يعلمه الانسان وما لا يعلمه من أمر السموات والأرض فكلها الأولى. فالأولى إذن أوسع من الدنيا. ولما أراد الله تعالى ان يذكر سعة الملك في سورة الليل ناسب أن يأتي بكلمة الأولى التي هي أعم وأوسع.
- الثاني ان كلمة الدنيا نفسها هي مؤنث الأدنى ومن معانيها الأقرب والأخس والدون والأقل كما في قوله تعالى (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) فلما أراد الله تعالى ان يذكر في سورة الليل سعة ملكه وعظمته لم يناسب ذكر كلمة الدنيا التي قد تحتمل في معانيها (الدون او الأقل). إذن كلمة الدنيا لا تناسب هنا من حيث الدلالة اللغوية واشتقاقها ومن حيث السياق ايضاً.
فأنذرتكم ناراً تلظىkلا يصلاها إلا الأشقى k الذي كذب وتولىkهذه الآيات مرتبطة بقوله تعالى (إن علينا للهدى* وإن لنا للآخرة والأولى) لأن هذا من الهدى. أنذرنا هو من الهدى الذي ينبه الله تعالى منه (إن علينا للهدى) وهذا في الآخرة فهي مرتبطة بـ (وإنا لنا للآخرة). وفي سورة الليل ذكر الله تعالى الإنذار ولم يذكر التبشير ولذلك اقتصر على ذكر النار ولم يذكر الجنة لأن ذكرها تبشير وليس هنا مقام التبشير. كما ذكر للأشقى صفتين: التكذيب والتولي، (الذي كذب وتولى) كذب: بمعنى كذب بكل مفردات الإيمان، وتولى بمعنى أدبر عن الطاعات واشتغل بالمعاصي. فجاءت كذب مقابل (وصدق بالحسنى) وتولى وقابل (أعطى واتقى) لأن عدم العطاء من التولي. وهذه الآية (لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى) توكيج للآية السابقة (وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى) وهي أعم منها ايضاً لأن التولي أعم من البخل والاستغناء فالتولي لا يقتصر على البخل والاستغناء انما هو تولي عن كل الطاعات وادبار عنها عموماً. وكذّب أعم من (كذّب بالحسنى) لأنه كذّب بالحسنى وبغير الحسنى.إذن لما عمّ السوء وانتشر أصبحت العاقبة أشد من الأولى و لما كان هذا أعم كانت العاقبة أسوأ لأن الأول بخل واستغنى وكذب بالحسنى وهذا كذب عموما وتولي عام لذا كان يجب أن تكون العقوبة أسوأ، أولاً وصفه بالأشقى وذكر أن له ناراً تلظى أما في الآيات السابقة اكتفى بـ (فسنيسره للعسرى) وهذه العاقبة أخف.ما الحكمة في الإتيان بفعل (فأنذرتكم) بصيغة الماضي وقد ورد هذا الفعل بصيغة المضارع في آيات أخرى في القرآن؟: جاء الفعل بصيغة المضارع لأن الله تعالى أنذرهم هنا بشيء واحد ألا وهو ناراً تلظى بمعنى شيء واحد وانتهى، كما في قوله أيضاً (فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) و(إنا أنذرناكم عذاباً قريبا). أما في قوله تعالى (إنما أنذركم بالوحي) فالإنذار هنا مستمر طالما الوحي مستمر بالنزول ولا ينتهي لذا جاءت صيغة الفعل المضارع. ما الحكم البلاغي في مجيء الآية (فأنذرتكم ناراً تلظى) بدون توكيد على خلاف ما جاء في سورة النبأ (إنا أنذرناكم عذاباً قريبا). سورة النبأ فيها توكيد لأن الإنذار في سورة النبأ متسع ومتكرر من أول السورة الى أوسطها ألى آخرها (كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون) (إن جهنم كانت مرصادأ للطاغين مآبا،...جزاء وفاقا..فذوقوا ..) (إنا أنذرناكم عذاباً قريبا) فهو إنذار متسع طويل وفيه بسط ومتصل ومكرر فهو أدعى للتوكيد من سورة الليل. أما في سورة الليل فلم يرد الإنذار إلا في آية واحدة لذا لا تحتاج إلى توكيد.وسيجنبها الأتقى k الذي يؤتي ماله يتزكىkلماذا لم ترد الآية على نفس سياق ما قبلها (ولا يجنبها إلا الأتقى) لا تصح لأن في هذا جلالة على أنه لن يجنبها إلا الأتقى بمعنى أن المتقون لن يحنبوها وفي هذا ظلم للمتقين وحاشا لله أن يكون هذا. وهذا من رحمة الله تعالى بعباده لأن معنى الآية أن الله تعالى يجنب الأتقى وغير الأتقى أيضاً فرحمته سبقت غضبه. في العذاب حصر (لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى) وفي الرحمة أطلق سبحانه هو الرحيم.إجمالاً في هذه الآية والتي قبلها ذكر مقابل الأشقى الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى. فالصفة العليا (الأتقى) الذي يؤتي ماله (الوصف الأعلى للإنفاق ولم يقل من ماله إنما قال ماله ولم يقل المال) والتزكي (أعلى درجات التصديق).في السيئة بدأ من الخاوص إلى العموم (أما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) وفي الحسنة ترقى من الأفضل إلى الأفضل (الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى) أعطى مقابل يؤتي ماله، وواتقى مقابل الأتقى وصدق بالحسنى مقابل يتزكى لأن صدق بالحسنى هي أعلى التدرجات لأن فيها الإخلاص.سيجنبها: استخدم الفعل بصيغة المبني للمجهول فلماذا لم يستخدم الفعل (سيتجنبها)؟ الآية فيه تحذير وإنذار عظيم إلى الناس لأن الأتقى لا يتجنبها بنفسه وإنما الأمر يعود إلى خالق الخلق وخالق النار ، فالله تعالى هو الذي يجنب عباده النار ولا أحد يستطيع أن يتجنبها بنفسه ابدا. ونظير هذه الآية ما جاء في قوله تعالى (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) سورة مريم. لا يستطيع الناس أن ينجوا بأنفسهم من النار ولو كان أحدهم الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى إنما ألمر يعود لخالق الناس وخالق النار سبحانه. جاء في كثير من الآيات في القرآن الكريم قوله تعالى (ينجي الله) (ننجي الذين اتقوا) فما الحكمة في الآية هنا (سيجنبها الأتقى)؟ هناك فرق بين التجنيب والتنجية. التنجية قد تكون بعد الوقوع في الشيء ومعاناته كما في قوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب) يمعنى أنهم ذاقوا العذاب ثم نجاهم الله تعالى فكانت النجاة بعد الوقوع في المكروه. وكذلك قوله تعالى (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) بعدما وقعوا في النار يبنجي الله تعالى الذين اتقوا. وكذلك في قصة سيدنا يونس u (فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) سورة الأنبياء، آية 88، كان قد وقع في الكرب ثم نجاه الله تعالى منه . إذن النجاة تقع بعد الوقوع (ننجي الذين اتقوا). أما التجنيب فهي التنحية بمعنى أنه لا يقع في المكروه أصلاً (سيجنبها الأتقى) والأتقى في المرتبة الأعلى فهو لا يقع في التجربة أصلاً. ذن مع اتقوا يستعمل القرآن لفظ (التنجية) ومع الأتقى يستعمل (التجنيب).وما لأحد عنده من نعمة تجزى k إلاّ ابتغاء وجه ربه الأعلىk ولسوف يرضىkعندما يؤتي ماله ليس لأحد فضل عليه يؤديه له وإنما يفعله لوجه الله تعالى وعمله غير مشوب بشائبة فهو لا يرد معروفاً لأحد وإنما ابتغاء وجه الله من غير توقع رد جميل وإنما هو خالص لوحه الله وهذا هو منتهى الإخلاص. ليس لأحد فضل فيجازيه عليه وإنما يفعله خالصاً لوجه الله تعالى. ولسوف يرضى: فيها احتمالين أن تكون للشخص الذي يرضى بثوابه في الآخرة (الأتقى الذي أعطى ماله) أو هو الذي يبتغي وجه ربه الأعلى إذن سيرضى الله عنه، وهي الحالتين معاً سيرضى بثوابه فيما أعج الله تعالى له من كرامة ورضوان الله أعلى شيء ( ورضوان من الله أكبر) أكبر من الجنات. وقالوا في الأثر: تحتاجون لعلمائكم في الجنة كما كنتم تحتاجون إليهم في الدنيا قالوا كيف يا رسول الله قال يطلع الله على أهل الجنة فيقول سلوني سلوني ولا يعرفون ما يسألونه فيذهبون إلى علمائهم فيقولون ماذا نسأل ربنا فقالوا اسألوه رضوانه وهو أعلى شيء. | |
|